الحوار الاجتماعي: مفتاح تحقيق خطة التنمية المستدامة لعام 2030

تعزيز الحوار الاجتماعي التشاركي وسيلة أساسية لمواجهة التحديات واستغلال الفرص الناشئة عن التغييرات في عالم العمل والتطورات التكنولوجية، وفقًا لما كتبته شذى الجندي من منظمة العمل الدولية.

مقالة | ١١ سبتمبر, ٢٠١٩
©م.ع. د.
ترتكز خطة التنمية المستدامة لعام 2030، التي تم تبنيها إثر مشاورات شملت أكثر من مليون شخص من كافة الدول والخلفيات، على التزام قوي بتقليل كافة أشكال اللامساواة، و"عدم التخلي عن أحد". لتحقيق هذه الخطة الطموحة وأهدافها السبعة عشر، علينا الاستمرار بدعم معايير التشاركية، واشراك مختلف الأطراف المعنية، والشراكات بوصفها مبادئ أساسية لتنفيذها.

الحوار الاجتماعي وسيلة مهمة جداً لإشراك الأطراف المعنية. وبالرغم من أن الخطة لا تذكر "الحوار الاجتماعي" صراحةً، فإنها تقر بالدور المحوري للعمل اللائق في تحقيق التنمية المستدامة كما ورد في الهدف الثامن (العمل اللائق والنمو الشامل). يقتضي هذا الواقع الاعتراف بالحوار الاجتماعي بوصفه وسيلةً للتفاوض، وبناء إجماع بين الأطراف الثلاثة في عالم العمل: الحكومات ومنظمات العمال وأصحاب العمل. في الواقع، تظهر الأدلة بأن الحوار الاجتماعي، مدعوماً بالمبادئ والحقوق الأساسية في العمل، قادر على تعزيز التقدم الاجتماعي والاقتصادي، ليصبح أداة تنظيمية لتحقيق التنمية المستدامة، ووسيلةً ضرورية لتنفيذ أهدافها. وأثبت الحوار الاجتماعي أثره الايجابي على الأجور، وظروف العمل، وإنتاجية العمل. وإلى جانب الهدف 8، يعتبر الحوار الاجتماعي عنصراً حاسماً في تحقيق الأهداف الأخرى مثل الهدف 1 (الحد من الفقر)، والهدف 5 (المساواة بين الجنسين)، والهدف 10 (تقليل اللامساواة)، والهدف 16 (السلام، والعدالة، وبناء مؤسسات قوية).
©م.ع. د.

يواجه عالم العمل اليوم تحديات هائلة. فوفقاً لمنظمة العمل الدولية، ثمة 190 مليون عاطل عن العمل في العالم، منهم 65 مليون من الشباب. ويعيش قرابة 300 مليون عامل في فقر شديد (بأقل من 1.9 دولار أمريكي في اليوم)، ما يعكس سوء جودة الوظائف المعروضة، وتدني الأجور. وقد باتت المجتمعات غير متساوية، وهذا ناتج إلى حد كبير عن ضعف مؤسسات سوق العمل والحوار الاجتماعي.
الحوار الاجتماعي، وفق تعريف منظمة العمل الدولية، يتضمن كافة أنواع التفاوض أو المشاورات أو ببساطة تبادل المعلومات بين ممثلي الحكومات، وأصحاب العمل، والعمال بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك المتصلة بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية.

تتفاقم هذه التحديات في العالم العربي الذي ظل لعقود يعاني من بطالة مرتفعة ولا سيما بين الشباب، وتدني انتاجية العمل، واقتصاد غير منظم، وسوء ظروف العمل، وقلة مشاركة النساء في اليد العاملة، وضعف الحماية الاجتماعية أو عدم ملاءمة تغطيتها. لقد اجتمعت كل هذه المشكلات لتشكل حلقةً مفرغة تعوق جهود تحقيق تقدم ملحوظ في مجال الحد من الفقر واللامساواة. وتعزى هذه المشكلات إلى ضعف الحوكمة المتجسد في ضعف علاقات العمل في قطاع الصناعة، وغياب قنوات تواصل فعّالة بين الحكومات والمواطنين يمكن أن تسهم في إيصال أصواتهم، والتوصل إلى حلول. وبالرغم من وجود آليات للحوار الاجتماعي، فإنها غير خاضعة لنظام مؤسسي وغير مستدامة.
في هذا السياق، نظم المكتب الإقليمي للدول العربية في منظمة العمل الدولية في نيسان/أبريل 2019 حواراً بين بلدان الجنوب يجمع ممثلين عن الحكومات ومنظمات أصحاب العمل والعمال من العراق والأردن والكويت ولبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة وسلطنة عمان. كان الهدف من الحوار تعزيز تبادل المعارف والخبرات المتعلقة بإشراك الهيئات الثلاثية لمنظمة العمل الدولية في تنفيذ ورصد وإعداد تقارير عن خطة التنمية المستدامة لعام 2030 مع التركيز على الهدف 8، وإيجاد طرق لتعزيز دورها ومشاركتها في هذه العمليات.
شملت النتائج الرئيسية:
  1. فاقم ازدياد التوتر السياسي والاقتصادي والاجتماعي والنزاعات المسلحة التحديات التنموية الحالية في المنطقة العربية، وكشف حالات اللامساواة. لقد أثبت الحوار الاجتماعي نجاعته في هذه البيئات بوصفه أداةً قويةً وقادرة على ترسيخ العلاقات الاجتماعية، وتسهيل إيجاد حلول من خلال جمع الأطراف الاقتصادية والاجتماعية والحكومات على طاولة الحوار.
  2. يستلزم تنفيذ ورصد وإعداد تقارير عن أهداف التنمية المستدامة تبني أسلوب تشاركي يضمن إشراك كافة الأطراف المعنية بمن فيهم ممثلون عن أصحاب العمل والعمال والمجتمع المدني.  ويجب تطبيق ودعم آليات محددة لضمان تنفيذ هذه العمليات بشكل دوري.
  3. إضافةً إلى مشاركتهم في تقارير الاستعراض الوطني الطوعي، يمكن لشركاء المجتمع المدني والشركاء الاجتماعيين تقديم تقارير ظل تعكس آرائهم في تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030 وأهدافها.

مستقبلاً، ثمة حاجة إلى تعزيز الحوار الاجتماعي التشاركي بوصفه وسيلةً أساسية لمواجهة هذه التحديات، واستغلال الفرص الناشئة عن التغييرات في عالم العمل، والتطورات التكنولوجية. وبالإضافة إلى فائدته كآلية لضمان تماسك وشرعية السياسات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، يعتبر الحق بالمشاركة في الحوار أحد المبادئ الأساسية في بناء مجتمعات تشاركية، وأحد الركائز الرئيسية في خطة 2030. يعتبر عام 2019 عاماً مميزاً في تعزيز دور الحوار الاجتماعي المحوري في خطة 2030، ويصادف الذكرى المئوية لنضال منظمة العمل الدولية لتحقيق العدالة الاجتماعية، والعام الذي سيشهد مراجعة الهدف الثامن والعاشر من أهداف التنمية المستدامة في المنتدى السياسي رفيع المستوى.

*نشر هذا المقال للمرة الأولى في ملخص أهداف التنمية المستدامة للبنك الإسلامي للتنمية، الإصدار رقم 8