![]() |
![]() |
|
البرنامج المكثف حول الحوار الاجتماعي وقانون العمل وإدارة العمل - الحوار الاجتماعي
|
إن بوسع أية تشريعات عمل قادرة على التكيف مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية في عالم العمل المعاصر أن تحقق ثلاثة أدوار حاسمة وهي:
إنها تعمل على إقامة نظام قانوني يسهل علاقات العمل الإنتاجية الفردية والجماعية وبالتالي إنشاء اقتصاد إنتاجي.
من خلال ما توفره تشريعات العمل من إطار يمكن أصحاب العمل والعمال وممثليهم من التفاعل بداخله فيما يخص القضايا المرتبطة بالعمل فان هذه التشريعات تعمل أيضا كأداة هامة لتحقيق علاقات صناعية يسودها الانسجام وتستند إلى الديمقراطية في مكان العمل.
وتوفر هذه التشريعات أداة تذكير دائمة وواضحة وتعمل كضمانة للمبادئ الجوهرية وللحقوق الخاصة بالعمل والتي لاقت قبولا اجتماعيا واسعا كما أنها تؤسس لإجراءات ونشاطات يمكن من خلالها تنفيذ وتطبيق تلك المبادئ والحقوق.
ولكن التجربة علمتنا انه لا يمكن لتشريعات العمل أن تنجز هذه المهام بصورة فعالة إلا إذا كانت مستجيبة لشروط سوق العمل واحتياجات الأطراف المعنية. وتعتبر الطريقة الوحيدة الأكثر كفاءة في ضمان شمول هذه الاحتياجات والشروط بعين الاعتبار تماما هي الاشتراك الوثيق للأطراف المعنية في صياغة التشريعات من خلال عمليات الحوار الاجتماعي. ويعتبر انغماس الشركاء الاجتماعيين بهذه الطريقة أمرا على قدر كبير من الأهمية في عملية إنشاء قاعدة عريضة للدعم المقدم للتشريعات العمالية وفي تسهيل تطبيقها داخل وخارج القطاعات الرسمية المنظمة في هيكلية الاقتصاد.
فعندما يقوم مكتب العمل الدولي بمساعدة الأطراف الأساسية في عملية صياغة أو إصلاح قانون العمل فانه يعتمد الأسلوب الأساسي الذي مؤداه انه حيثما يكون هناك تشريع ملائم بدعم من الفرقاء المعنيين فان هذا التشريع لا ينشر العدالة الاجتماعية في كافة أنحاء المجتمع فحسب بل انه أيضا يكون له تأثير إيجابي على الأداء الاقتصادي ويسهم في الاستقرار الاجتماعي ويقلل من فرص الصراع الاجتماعي.
يستخدم تشريع العمل بشكل واسع كأداة لتنظيم علاقات العمل الفردية ولإنشاء إطار يستطيع العمال واصحاب العمل من خلاله أن يقرروا علاقاتهم على أساس جماعي كأن يكون ذلك مثلا من خلال المفاوضة الجماعية بين الاتحادات النقابية واصحاب العمل أو منظمات أصحاب العمل أو من خلال آليات مشاركة العمال في المشروع التجاري.
من السمات المميزة للوائح التشريعية الخاصة بعلاقات العمل الفردية أنها تتطلب سن بنود قانونية تحكم تشكيل وإنهاء تلك العلاقة (أي إبرام عقود العمل وتجميدها وإنهائها) والحقوق والواجبات المتعلقة بالجوانب المختلفة لتلك العلاقة (مثل الحد الأدنى للعمر المقبول في التشغيل وحماية الأحداث والمساواة في العمل وساعات العمل والإجازات المدفوعة الأجر ودفع الأجور وإجراءات السلامة المهنية والصحة وحماية الأمومة). كما انه يجب أيضا سن بنود تتعلق بإجراءات التنفيذ والمؤسسات الداعمة لها (مثل خدمات تفتيش العمل ومحاكم العمل).
ومن مميزات اللوائح التنظيمية للعلاقات الجماعية بين العمال واصحاب العمل أنها تشمل أيضا وضع الضمانات القانونية لحق العمال واصحاب العمل في إنشاء منظماتهم المهنية والحق في المفاوضة الجماعية والحق في الإضراب وكذلك الآليات التي تضمن مشاركة العمال على مستوى المشروع.
لقد باتت النصوص والبنود التشريعية المتعلقة بهذه المسائل موجودة في معظم البلدان، إلا أن هناك اختلافات كبيرة بين البلدان فيما يتعلق بماديات وتفاصيل أنظمتها التشريعية وكذلك بالنسبة للدرجة التي تتركها هذه التشريعات للعمال واصحاب العمل ومنظماتهم ليقرروا الجوانب المختلفة لهذه المسائل من خلال الاتفاقيات الجماعية او عقود العمل الفردية.
ففي بعض البلدان التي تمتلك خلفية يسود فيها القانون العام (أي القانون الذي يستند من ناحية أساسية على القرارات القضائية والعرف القضائي اكثر من استناده على القانون الأساسي) فان هذا القانون العام الشائع هو الذي ينظم من ناحية تقليدية العناصر المشتركة لعلاقة التشغيل بينما تترك معظم المسائل الأخرى للفرقاء لتنظيم تلك المسائل في اتفاقيات ومن الأمثلة على هذه البلدان المملكة المتحدة والعديد من بلدان الكومنولث. ولكن خلال القرن الماضي أو ما يزيد عليه اخذ المشرع في مثل هذه البلدان يميل إلى التدخل بشكل متزايد وواسع في ميدان قانون العمل بحيث انه في حالات كثيرة اصبح يتم تنظيم القضايا الرئيسة ذات المحتوى بشكل اكثر دقة وتفصيلا وفي معظم الحالات بات ذلك يأخذ طابعا شموليا من خلال وضع لائحة تشريعية. ولكن في بلدان معينة ما يزال هناك نزوع نحو التشريعات القطاعي (بالمفرق) لأنها يجب أن تقرأ وتفهم وتفسر إزاء خلفية من القانون العام الشائع واحكامه القانونية التي لم يتم بعد استبدالها كليا بقانون أساسي. وعدا عن ذلك ففي بعض الحالات ربما يحتاج الأمر إلى إحالة النزاعات أو المطالبات المتعلقة بالحقوق والواجبات القانونية إلى محاكم مختلفة الأمر الذي يعتمد على ما إذا كانت تلك المطالبات ناشئة عن القانون العام الشائع أو التشريعات الأساسية.
وفي البلدان ذات التقاليد في القانون المدني (التي تشمل العديد من البلدان الناطقة بالفرنسية والإسبانية) نجد أن قانون العمل قد وضع في الغالب وليس دائما من خلال قوانين عمل شاملة منظمة. وفي معظم هذه البلدان نجد أن المسائل المتعلقة بالعمل قد تم تنظيمها في البداية من خلال قانون مدني أساسي عبر بنود تحكم عقود العمل. وكلما كان يتم تبني تشريعات عمل أخرى عبر السنوات كان يتم استيعاب الكثير منها في لوائح العمل أو تعديلاتها. ولكن المفاهيم للقانون المدني واحيانا بنودا معينة في القانون المدني ظلت تطبق على القضايا المنبثقة من ميدان العمل.
ولذلك فان تفسير القانون قد يتطلب رجوعا واشارة إلى النصوص الواردة في كل من قانون العمل والقانون المدني معا.
ولقد بات ينظر إلى قانون العمل بالشكل الشمولي الذي تطرحه قوانين العمل والتشريعات الإضافية على انه نظام قانوني مستقل ذاتيا وعلى انه مستقل عن البنية الأكثر انفرادية المميزة للقانون المدني. وفي هذه البلدان التي تم فيها تنظيم و تصنيف قانون العمل على شكل لوائح قانونية نجد أن الأمر يعني أن النصوص القانونية الخاصة بهذه البلدان قد أصبحت متاحة على شكل نصوص شاملة تستند الى مفاهيم موحدة واسعة تسعى لتوفير تماسك اكبر للنظام ككل.
وقد تأثر الكثير من بلدان العالم النامي بواحدة من هذه التقاليد أو غيرها. ففي كثير من الحالات نجد أن تشريع العمل في البلدان النامية قد تم تعديله وتكييفه من ناحية أساسية من أنظمة السلطة الاستعمارية قبل الاستقلال. ولكن في معظم هذه البلدان نرى أن تشريع العمل قد تطور كثيرا منذ الاستقلال. ففي البلدان التي تأثرت بتقاليد القانون العام الشائع نجد أن تطور التشريعات قد تتطلب في حالات كثيرة سن قوانين جزئية وخاصة في مواضيع مثل علاقات العمل (بما في ذلك شروط العمل) وعلاقات العمل أو العلاقات الصناعية والسلامة والصحة. ونجد أن سلطة وضع اللوائح الصلاحية الفرعية كانت توكل بصورة عامة إلى الوزير المسؤول عن مسائل العمل. ففي البلدان النامية التي اتبعت تقاليد القانون المدني والتي حازت على استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية نجد أنها في الغالب قد وضعت لوائح عمل شاملة وأنها كانت تتطلب إصلاحها بين الحين والآخر كي تتوائم مع العلاقات الاجتماعية والاقتصادية في الأزمنة الحديثة. وفي هذه البلدان أيضا كانت وزارات العمل تمنح صلاحيات تنظيمية كثيرة.
وبغض النظر عن التقاليد القانونية فقد كان التحدي المتمثل في إصلاح قانون العمل في السنوات الأخيرة له جانبان: الجانب الأول وهو تقديم حماية افضل للحقوق الأساسية للعمال بما في ذلك الحقوق النقابية والثاني توفير قدر اكبر من المرونة للأطراف الاجتماعيين لتنظيم علاقة العمل بطريقة من شأنها أن تعزز بصورة اكبر الإنتاجية والنمو الاقتصادي.
وفي الكثير من البلدان ذات الاقتصاد المخطط سابقا والتي انتقلت إلى اقتصاديات السوق فقد تركز الإصلاح القانوني فيها حول الحاجة إلى استبدال أشكال التنظيم السابقة التي تستند الى مركزية الدولة بتشريعات تقوي المؤسسات التمثيلية المستقلة القادرة على التعاطي مع المفاوضة الجماعية المستقلة ذاتيا. وفي العادة فان هذا الأمر كان يشمل تطويع الأنظمة التشريعية الدخيلة المؤثرة وتخفيف عبء التنظيم بوجه عام.
في كل البلدان نجد أن كل حقبة زمنية تحتاج إلى وجود توازن مقبول قابل للحياة والديمومة داخل قانون العمل بين وظائف الحماية والمساواة الاجتماعية وبين اعتبارات الكفاءة الاقتصادية. وهذه هي الاهتمامات التي تؤكد على الإصلاح التشريعي رغم خشونة وجاهزية القرارات التي تتخذ في العادة في التنفيذ والممارسة في غياب طريقة واضحة المعالم ومقبولة لدى العموم في تقييم آثار النصوص التشريعية القائمة والتغييرات المقترحة عليها.
ولذلك فانه يتعين على هؤلاء المشاركين في الإصلاح التشريعي سواء أكانوا يمثلون الحكومات أو الاتحادات العمالية أو أصحاب العمل وكذلك موظفو منظمة العمل الدولية والخبراء المعنيين أن يحاولوا قدر الإمكان أن يوضحوا العواقب المترتبة على تعديلات مقترحة على تشريعات العمل. وهذا يتطلب بالتالي محاولة تقييم آثار النصوص القائمة (من حيث الكلفة والفوائد) والإصلاحات المقترحة على مصالح العمال واصحاب العمل وبشكل أوسع على مصالح المجتمع بشكل عام في المستقبل القريب والبعيد. وعند تقييم الآثار التي تحدثها البنود والنصوص المتنوعة لتشريعات العمل يجب الاعتراف بدورها في تصحيح اخفاقات السوق وفي تدعيم المصلحة العامة وتقديمها على غيرها. ومن ناحية ثانية، يجب أيضا مراعاة الحساسية في قضايا مرونة سوق العمل من اجل فسح المجال أمام الكفاءة التنافسية في اقتصاد دولة تعيش في ظل نظام العولمة. ومن الواضح أن الصعوبة في القيام بمثل هذا التقييم تتمثل في انه نادرا ما يكون موضوعيا ودقيقا تماما وذلك لان المعلومات المطلوبة لإجراء ذلك التقييم لا تتوفر إلا بصورة جزئية بوجه عام وغالبا ما تكون خاضعة لتأويلات وتفسيرات مختلفة.
إن المشاركة الثلاثية في عملية الإصلاح والمراجعة التشريعية تضمن على الأقل اخذ الاعتبارات المختلفة بعين الاعتبار بشكل كامل وكذلك تقييم آثارها المحتملة من وجهات نظر متعددة. وعلاوة على هذا، فان اشتراك منظمة العمل الدولية في مساعدة البلدان في إصلاح قانون العمل لديها وبناءا على طلبها تعزز من الالتزام بضمان الحقوق والمبادئ الجوهرية للعمل تطبيقا لاتفاقيات منظمة العمل الدولية المصادق عليها من البلدان المعنية.
ركز المدير العام في تقريره (تحت عنوان العمل الشريف) المقدم الى مؤتمر العمل الدولي 1999 على أن منظمة العمل الدولية تمثل كل العمال، ورغم ذلك لا تزال هناك فجوة بين أولئك العمال الذين تمثلهم الاتحادات النقابية أولائك الذين لا تمثلهم (انظر "صوتك في العمل" (التقرير العالمي)، مؤتمر العمل الدولي الجلسة 88 ,التقرير 1(ب) ) وبين هؤلاء الذين تغطيهم قوانين العمل واؤلئك الذين لا تغطيهم تلك القوانين. كما أن الأبعاد المتعلقة بالنوع الاجتماعي لهذه الأشكال من الإقصاء تكون غالبا ذات قوة دافعة وإجبارية بشكل خاص. لذلك يجب على المعنيين بإصلاح قانون العمل أن يظهروا تعاطفا حساسا تجاه الفئات المهمشة والمستبعدة من العمال الذين يمكن في العادة تحسين أوضاعهم ولو جزئيا على الأقل عبر وسائل تشريعية ومن المهم فيما يخص فجوة التمثيل تحديد الموانع القانونية في التشريع الوطني التي تقف حائلا دون التمثيل النقابي ودون اعتراف أصحاب العمل بالنقابات العمالية لأغراض المفاوضة الجماعية. كما يجب إعطاء أهمية لدراسة الأساليب التشريعية من اجل خلق مناخ يساعد على زيادة التمثيل والمفاوضة الجماعية مع إشارة خاصة إلى النصوص التي تضمن الحق في التنظيم لكل فئات العمال وتقدم الحماية ضد التمييز مهما كان نوعه وتوفر الظروف للاعتراف بالنقابات لأغراض المفاوضة الجماعية.
ويجب ايلاء اهتمام خاص خلال عملية الإصلاح لنشر المساواة بين المجموعات والفئات المتضررة خاصة فيما يتعلق بالنوع الاجتماعي وفجوة التمثيل إن نسبة النساء اللاتي يعملن في القطاع غير المنظم أو في الأشكال المتنوعة للعمل التعاقدي وفي العمل الحرج أو غير المميز مثل العمل المنزلي تكون في العادة نسبة عالية كما هو الحال في معدلات مشاركة المرأة في القطاع الرسمي المنظم للاقتصاد التي تميل إلى المعاناة من التمييز السلبي المهني (في الوظائف التي تعتبر أنثوية من ناحية تقليدية) وكذلك من التضرر فيما يخص شروط التشغيل (ومن الأمثلة على ذلك النساء العاملات بعمل جزئي اللاتي ربما يفضلن العمل بدوام كامل واولئك اللاتي لا يتلقين أجورا متساوية للعمل المتساوي أو المشابه في القيمة).
ومن الواضح أن التغلب على عدم المساواة بسبب النوع الاجتماعي يتطلب بادرات سياسية عامة واسعة تتجاوز الإطار التشريعي على أهمية البعد التشريعي أيضا. ويستكشف الفصل السابع حول إزالة التمييز هذه النقاط بشكل اكبر ولكن البعد النوعي الاجتماعي هو بعد قائم وموجود فيما يتعلق بكل واحدة من الفئات الأربع للحقوق الواردة في إعلان منظمة العمل الدولية حول المبادئ والحقوق الجوهرية للعمل لعام 1998.
1. لا يقصد بهذا الفصل أن يقدم مراجعة شاملة لهذا الموضوع ولكن لفت الانتباه فقط لعدد من القضايا الهامة عند صياغة ومراجعة تشريع العمل.
![]() |