الدورة رقم 104 لمؤتمر العمل الدولي

كلمة المدير العام لمنظمة العمل الدولية في افتتاح الدورة 104 لمؤتمر العمل الدولي

بيان | ٠١ يونيو, ٢٠١٥
السيدة الرئيسة،
المندوبون،
المراقبون،
الضيوف،
السيدات والسادة،

اسمحوا لي أن أرحب بكم جميعاً في جنيف وفي الدورة رقم 104 لمؤتمر العمل الدولي. كما أود أن أهنئكِ يا سيدتي الرئيسة على انتخابكِ متمنياً لكِ حظاً طيباً. نحن نعلم أننا في أيدٍ أمينة، والأمانة العامة موجودةٌ هنا لتقدم كل الدعم والمساعدة في الاضطلاع بمسؤولياتك.

يجتمع هذا البرلمان الثلاثي العالمي الخاص بالعمل في وقتٍ يواصل عالم العمل فيه مواجهة تحدياتٍ ذات أبعادٍ هائلة. ووجودكم هنا اليوم إنما يدل على أنكم تنتظرون من منظمة العمل الدولية التصدي بفاعليةٍ مع الدول الأعضاء فيها لتلك التحديات وأنكم مستعدون للمساهمة في ذلك. وكون تلك التحديات هائلة هو بالضبط ما يجعل المسؤولية الملقاة على عاتقنا كبيرة.


تشير الإصلاحات الجارية على قدمٍ وساق في منظمة العمل الدولية والعمل الجاد الذي قام به مجلس الإدارة العام المنصرم – والذي سيقدم عنه الرئيس السفير كورايا من أنغولا تقريراً إلى المؤتمر في وقتٍ قريب جداً – إلى أن منظمتنا تعمل، وأنها تعمل بحزم. فهي تتغير، ويجب أن تستمر في التغير كي تغدو أكثر خبرةً وكفاءة وانتشاراً ومنفعة، وفي نهاية المطاف أكثر تأثيراً. والبرنامج والموازنة للسنتين القادمتين 2016-2017، واللذين أوصى مجلس الإدارة بموافقة هذا المؤتمر عليهما، يُبينان بشكلٍ ملموس جداً عزمنا على مواصلة ذلك المسار لاستخدام الموارد التي وضعتموها تحت تصرفنا في سبيل تحقيق أفضل النتائج. وأنا أوصي بأن يقر المؤتمرُ البرنامجَ والموازنة.

نحن الآن وبصورةٍ مناسبة في هذه الظروف قد افتتحنا هذا المؤتمر الذي يجمع بين الابتكار والطموح: الابتكار لأننا سنستخدم أساليب عملٍ جديدة تهدف إلى تقصير مدة المؤتمر دون أن يفقد فعاليته، والطموح لأن أجندتنا تؤمِّن لنا فرصةً لمعالجة قضايا تؤثر على حياة ملايين العمال في جميع أنحاء المعمورة. ويعني ذلك أن ما نحققه في الأسبوعين المقبلين يشكل فارقاً عظيماً جداً، ومهماً جداً، وملموساً جداً.

ونحن الآن نمتلك فرصةً لإقرار توصيةٍ تضع لأول مرةٍ إطاراً دولياً للانتقال من الاقتصاد غير المنظَّم إلى الاقتصاد المنظَّم، ما يستدعي زيادة الدعم الثلاثي بوصفه أولوية من أولويات السياسات. ولما كان نحو نصف عمال العالم يعملون في الاقتصاد غير المنظَّم، فلن نصبح ذا مصداقيةٍ إن لم نعمل على التصدي للظروف التي يواجهونها.

ولدينا الآن فرصةٌ أيضاً لإمعان النظر في سبل تعزيز المنشآت الصغيرة والمتوسطة التي تُعتبر في غاية الأهمية على صعيد مواجهة التحدي العالمي المتمثل في خلق فرص عملٍ لأنها تخلق فرص عملٍ لائقة وإنتاجية. والتقرير المقدَّم إلى هذه المناقشة العامة صارم. فهو يبحث في التنوع الحقيقي لتجربة المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وفي البراهين الحقيقية على إنجازات منظمة العمل الدولية حتى تاريخه، وكيف يمكن البناء عليها في المستقبل. وهذه المناقشة مُهمةٌ للغاية.

وفي هذا العام، ستُكرَّس أحدث سلسلةٍ من المناقشات المتكررة، التي بدأت عام 2010 عملاً بأحكام إعلان العدالة الاجتماعية لعام 2008، لمناقشة القضايا الرئيسية لحماية العمال – الأجور، والسلامة والصحة، وساعات العمل، وحماية الأمومة – وكلها يقع في صلب مهام منظمة العمل الدولية والمناقشات الدائرة بشأن السياسات في كثيرٍ من الدول الأعضاء.

وإذا جمعنا كل ما سبق، يغدو من العدل القول إن أجندتنا الفنية لهذا العام تلبي معايير الموضوعية والأهمية التي حددناها لمؤتمرنا. وإذا عملنا جيداً، فإنها ستلبي معايير الفائدة والأثر أيضاً.

السيدة الرئيسة،

في ضوء المستجدات في مجلس الإدارة، أرى أنه بإمكاننا جميعاً التطرق إلى عمل "لجنة تطبيق المعايير" ليس فقط بالتزامٍ مشترك كي تُكمل عملها بنجاحٍ، بل أيضاً بثقةٍ متجددة بأنها ستفعل ذلك. ونحن جميعنا ندرك أن هذه اللجنة شهدت في دورات المؤتمر الأخيرة جدلاً جاداً وأحياناً انهياراً. ولكن حتى في تلك الظروف، أصرت سائر المجموعات باستمرارٍ وبشكل يثير الإعجاب على الأهمية الأساسية لوجود نظامٍ رقابي قوي وموثوق ويعمل جيداً.

السيدات والسادة،

لقد آن أوان تنفيذ ذلك العمل. ولفعل ذلك، ينبغي ألا يبتعد أحدٌ عن النقاط المبدئية التي نتمسك بها بقوة، ويتعين على الجميع مباشرة هذه المُهمة وهُم على استعدادٍ لتقديم تنازلاتٍ والسعي إلى الوصول إلى توافقٍ في الآراء. هذه هي طريقة عمل هذا المؤتمر. فليس هناك أهم من القضية المطروحة في مؤتمر هذا العام.

وأرغب أيضاً في الانضمام إلى لجنة الخبراء في الثناء على القرار بجعل مسحها العام لهذه السنة ينظر في وضع العمال الريفيين: فهم مجدداً خير مثالٍ على التركيز على إحدى الأولويات الرئيسية لمنظمة العمل الدولية، كما أنهم يشكلون جزءاً كبيراً من قوة العمل العالمية التي تحمل منظمة العمل الدولية مسؤولياتٌ ملحة اتجاهها.

السيدة الرئيسة،

يتمثل أحد الاعتبارات المهمة في عملية إصلاح مؤتمر العمل الدولي، كما تبين هذه الدورة، في تحقيق أقصى استفادةٍ ممكنة من المناقشات هنا في الجلسة العامة.

ونحن محظوظون حقاً هذا العام لأن قمة عالم العمل التي ستُعقد في 11 حزيران/يونيو ستتشرف بمشاركة ضيوف الشرف الأربعة المدعوين لدينا وهم الرئيس الغاني ماهاما، والرئيس الفرنسي هولاند، والرئيس البنمي فاريلا، فضلاً عن كايلاش ساتيارثي الحائز على جائزة نوبل للسلام والناشط في مجال عمل الأطفال والصديق الصدوق لمنظمة العمل الدولية منذ أمدٍ بعيد. فحضورهم يعني لنا توفُّر فرصةٌ رائعة ومنصةٌ حقيقية لمناقشة موضوع تغير المناخ وعالم العمل في قمةٍ ثلاثية تفاعلية. كيف يمكن تحسين مساهماتنا المقدمة إلى عام العمل العالمي الخاص بالأمم المتحدة في أديس أبابا في تموز/يوليو والذي سيتناول تمويل التنمية، وأجندة التنمية لما بعد عام 2015 في أيلول/سبتمبر، ليتوَّج بمؤتمر باريس المهم لتغير المناخ في كانون الأول/ديسمبر؟ كل ذلك هو بالتأكيد من اختصاص منظمة العمل الدولية، ولا بد لنا من المشاركة فيه بفاعلية، وسنقوم بذلك.

تناقش هذه الجلسة العامة أيضاً تقريريَ السنوي عن وضع العمال في الأراضي العربية المحتلة. وأنا أنبهكم بأن ما يحتويه هذا التقرير لا يبشر بأي خيرٍ، بل وينبئ بالعكس. وفي وقتٍ تتزاحم فيه مطالبات متنافسة على أجندة المجتمع الدولي، فإني على ثقة بأن هذا التقرير سيذكِّرنا جميعاً بمسؤولياتنا الجماعية، هنا في منظمة العمل الدولية وضمن مهامها، إزاء تحسين حياة العمال الذين يواصلون تحمل كامل أعباء الاحتلال.

السيدة الرئيسة،

إن تقريري الرئيسي إلى المؤتمر مخصَّصٌ لعالم العمل وبالتحديد للمشروع المئوي، الذي اقترحتُه عند تولي منصبي، والذي لابد لي من القول إنه حصل على تأييدٍ كبير جداً واهتمامٍ داخل الهيئات المكوِّنة لمنظمة العمل الدولية وخارجها.

والفكرة الأساسية لهذا المشروع بسيطةٌ للغاية، بيد أنها تغدو على قدرٍ عظيم من الأهمية حقاً إذا نفذناها بشكلٍ صحيح.

والفكرة هي أنه في عالم عملٍ يتحول بفعل تغييراتٍ غير مسبوقة على صعيد السرعة والنطاق، يصعب عموماً على منظمة العمل الدولية وعليكم أنتم أعضائها التراجع أمام التحديات المباشرة والمحدَّدة التي هي شغلنا الشاغل والنظر إلى محركات التغيير على المدى البعيد، واتجاهات التحول الكبرى التي تعمل خارج الأطر الزمنية المعتادة للمهام السياسية، وأثرها على الأهداف التي نسعى في منظمة العمل الدولية إلى تحقيقها. وتقدِّم لنا الذكرى السنوية في عام 2019 فرصةً لا مثيل لها لعمل ذلك بالضبط. وسنغدو مقصِّرين إن اكتفينا من هذه الذكرى بالنظر للوراء نحو مائةٍ عام من التاريخ والإنجازات. دعونا نستخدمها عوضاً عن ذلك لعمل ما ينبغي لنا عمله لتجهيز منظمتنا بما يسمح لها بأداء مهامها من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية في السنوات المقبلة أي في القرن الثاني من وجودها. وهنا تكمن أهمية ما تم اقتراحه.

ويحدوني الأمل أن يغدو هذا الطموح مشتركاً بينكم والأهم من ذلك أن يصبح بالإمكان الاعتماد على دعمكم ومشاركتكم الفاعلة لأنه لا يمكن تحقيقه دونكم.

ولتسهيل جهودنا المتضافرة، أقترح تنفيذ هذا المشروع على ثلاث مراحل. يجري في المرحلة الأولى التواصل مع جميع أصحاب المصلحة هنا داخل هذه القاعة وخارجها ممن هم داخل وخارج المجتمع الثلاثي للمشاركة في إجراء دراسةٍ كبرى عن التطورات في عالم العمل. وهي دعوةٌ لتبادل المعارف، والرؤى، والأفكار، والمقترحات. ولدينا كل ما يلزم كي نكسب من توسيع نطاق التواصل بأقصى قدرٍ ممكن. وعملنا هذا يعزز الهيئات المكوِّنة الثلاثية ولا يضعفها. وأنا أقترح جعل هذه المرحلة تتمحور حول أربع مناقشاتٍ عن عالم العمل: تركز الأولى على العمل والمجتمع، والثانية على فرص العمل اللائق للجميع، والثالثة على تنظيم العمل والإنتاج، والرابعة على إدارة العمل والقواعد واللوائح التي يمكن من خلالها ضمان أن العمل لائق.

وينبغي أن تؤمِّن تلك المناقشات معاً باقةً شاملة من المدخلات إلى مرحلةٍ ثانية تَتخذ شكل هيئةٍ عالمية رفيعة المستوى عن مستقبل العمل. وهنالك سابقةٌ لهذا النوع من الهيئات هنا في منظمة العمل الدولية، وأنا أرى بأنها سابقةٌ جيدة.

ومن مهام هذه الهيئة معالجة المواد الناتجة عن المناقشات المئوية وتكملتها عند الضرورة، ووضع تقريرٍ في المرحلة الثالثة يُرفع إلى الدورة المئوية لمؤتمر العمل الدولي لعام 2019 أي بعد أربع سنوات.

ويتعين علينا تحديد سبل دراسة المؤتمر لذلك التقرير والنتائج التي يجب أن يحددها. وإذا امتلكنا جميعاً التصميم اللازم ليحقق ذلك المشروع نتائج حقيقية ويمكن تطبيقها بالنسبة لمنظمة العمل الدولية وعالم العمل – وكلي أمل أننا كذلك – فيمكن عندها، كما أعتقد، النظر في إمكانية اعتماد إعلانٍ مئوي احتفالي، إذ يبدو أن تلك المناسبة بحاجةٍ إلى مثل هذا الإعلان. ولكن إذا أردنا لهذا الإعلان أن يلبي طموحنا، فيجب أن نستعد له استعداداً صحيحاً، وأن نحضِّر له بعناية، وأن نفهم بوضوحٍ الغرض السياسي وليس الاحتفالي منه.

السيدة الرئيسة،

إن قضايا فرص العمل والمساواة واستدامة الأمن البشري وانتقال العمال والحوار الاجتماعي وغيرها الكثير من القضايا التي يجب معالجتها في مشروع عالم العمل تكاد تكون بالتعريف أهم قضايا السياسات الرئيسية في عصرنا هذا. وهي قضايا تتصارع معها الحكومات والشركاء الاجتماعيون في كل مكان. كما أنها في صلب مهام منظمة العمل الدولية والمسؤوليات الجماعية لهيئاتها المكوِّنة المتواجدة في هذه القاعة والتي تحدثتُ عنها في البداية. ويتعين على منظمتنا أخذ زمام المبادرة بشأنها، وإلا سيقوم آخرون بذلك. ولكن هؤلاء، بدون امتلاك المنظار الصحيح الذي لا توفره سوى المنهجية الثلاثية في الشراكة، لن يستطيعوا القيام بالعمل نفسه الذي يمكننا القيام به والذي، دعوني أقولها لكم، يتعين علينا القيام به.

ولذلك وفي جميع تلك القضايا، فإن توجيه ممثلي الحكومات وأصحاب العمل والعمال في الجلسة العامة هو على درجةٍ كبيرة من الأهمية. وينبغي أن يصبح ذلك مشروعكم لأنه دون ملكيتكم ودعمكم ومشاركتكم لن يغدو قادراً على النجاح ولن ينجح. وستجدون بأن تقريري موجزٌ لحسن الحظ، وتسهل قراءته، ويمثل دعوةً للنقاش بغية استنباط أفكاركم وتشجيع اهتمامكم، وليس محاولةً لتقديم إجابة عن الأسئلة الكثيرة المعقدة التي يطرحها.

لذا، يرجى قراءة التقرير، وتزويدنا بوجهات نظركم، والمشاركة، كي لا تغدو الذكرى السنوية مجرد ذكرى تاريخية بل مَعلماً يؤذن بالمضي قدماً على طول الطريق، الطريق المستمر، نحو تحقيق العدالة الاجتماعية.

السيدة الرئيسة .. السادة المندوبون،

أود أن أختتم كلمتي هذه متمنياً لكم التوفيق والنجاح في العمل الذي ينتظركم. لا شك أن العمل الذي أمامنا مهمٌ للغاية، ولكن الأمر يستدعي التزامكم ومهاراتكم لضمان أن مكوَّني الابتكار والطموح الذي يبدأ بهما هذا المؤتمر سيضاف إليهما مكوَّن الإنجاز إلى نتائجه.

أتمنى لكم حظاً طيباً وأشكركم على اهتمامكم وعلى كل ما ستفعلونه خلال الأسبوعين المقبلين.