المرأة في الزراعة: الطهو كوسيلةٍ للتمكين والحضور في المجتمع
تُدرِّب دورةٌ تنفذها منظمة العمل الدولية في شمالي لبنان المرأة على إعداد الطعام وتسويقه بغية مساعدتها على كسب لقمة العيش وتسويق السلع الزائدة وإيجاد موطئ قدمٍ لها في القطاع الزراعي.

نساءٌ يتعلمن طرق طهوٍ جديدة في إطار دورةٍ لمنظمة العمل الدولية في شمالي لبنان لتدريبهن على إعداد الطعام وتسويقه.
وقد أتت النساء المعنيات من مجتمعاتٍ ريفية مضطربة تواجه ظروفاً صعبة. وهن من منطقة عكار في شمالي لبنان والتي استقبلت في الأعوام الأخيرة أعداداً ضخمة من اللاجئين السوريين الفارين من النزاع في سوريا المجاورة، حيث أدت الحرب الأهلية المدمرة هناك إلى نزوح أكثر من مليون لاجئٍ إلى لبنان منذ اندلاع الصراع عام 2011. ويشكل اللاجئون الآن خمس تعداد سكان لبنان، هذا البلد المتوسطي الصغير.
والوافدون الجدد بحاجةٍ إلى كسب العيش، ما أثَّر بصورةٍ عميقة على سبل عيش المجتمعات المضيفة لهم. وغالباً ما تعتمد هذه المجتمعات المضيفة في منطقة عكار على الزراعة لتأمين رزقها.
تعزيز المرونة
وقالت أنابيلا سكوف المستشار الفني الرئيسي للمشروع في منظمة العمل الدولية/المكتب الإقليمي للدول العربية: "نحن نعمل على تعزيز قدرة المجتمعات المحلية المضيفة على مواجهة الأزمات في ظل أزمة اللاجئين السوريين في منطقة عكار التي تتسم عموماً بضعفٍ شديد. ونقطة انطلاقنا هي قطاعٌ مهم جداً لتوليد الدخل هو القطاع الزراعي".وقد اشتركت منظمة العمل الدولية مع كلٍّ من سوق الطيب، وهو منظمةٌ لبنانية تعمل على تعزيز التراث الريفي وفنون الطبخ، ولجنة الإنقاذ الدولية لتدريب 25 امرأة على إنتاج الطعام وتصنيعه باستخدام أكثر المنتجات المحلية زراعةً في المنطقة.
وقالت ربيعة زهرمان وهي أمٌّ لتسعة أولاد من عكار وإحدى المتدربات: "قريتنا في منطقة عكار ضيعة صغيرة حيث تنمو الفتاة فيها وهي تتعلم كيف تطهو وتقوم بكافة الأعمال المنزلية منذ صباها. هذه أول مرةٍ أعمل فيها خلال حياتي (خارج المنزل) هنا في لجنة الإنقاذ الدولية. تعلمت طهو أطباقٍ جديدة. كنا نحضِّر عدة أطباقٍ باستخدام البطاطا، ولكن هنا تعلمنا وصفاتٍ جديدة".
لا يهدف البرنامج إلى منح المرأة مهاراتٍ جديدة وزيادة دخلها وفرصها في الحصول على عملٍ فحسب، بل وإلى تسويق المنتجات المصنوعة من الكميات الزائدة من البطاطا والخضراوات الورقية واللتان تُزرعان على نطاقٍ واسع في المنطقة.
وأوضحت سكوف: "تتمثل الفكرة في عدم ضرورة اعتماد الأسرة على إنتاج البطاطا فقط، بل يمكنها صنع شيءٍ ما من البطاطا لتحسين قيمة هذه المادة الأولية والعثور على قنواتٍ أخرى لتوزيعها".
المزيد من الظهور للنساء
وتسعى الدورة التدريبية أيضاً إلى تحسين حضور هؤلاء النسوة في القطاع الزراعي ومساعدتهن في أن يصبحن قوةً معترفاً بها في نظام السوق. ويحدث هذا مبدئياً من خلال بيع منتجاتهن في سوق الطيب للمزارعين في العاصمة اللبنانية بيروت وأيضاً من خلال إقامة مشاريعهن المستقبلية الخاصة.
وأردفت سكوف: "إن دور كثيرٍ من النساء، وخاصةً زوجات المزارعين، خفيٌ جداً. فهن يعملن في الحقول دون أجر، كما لا يُنسب لهن أي فضلٍ في إنتاج السلع أو بيعها. وما نحاول القيام به هو إظهار دور المرأة المهم جداً في سلسلة القيمة هذه".
وتستهدف الدورة أساساً نساء المجتمعات المحلية المضيفة في لبنان فضلاً عن عددٍ من اللاجئات السوريات.
وقالت هيام الضيعي وهي أمٌّ لأربعة أولاد: "عندما كنا في سوريا، كان وضعنا المادي أفضل بكثيرٍ من هنا. جئنا إلى هنا كلاجئين. وأول فرصة عملٍ أحصل عليها كانت هنا في هذا المركز. ينتابني بالتأكيد شعورٌ رائع لأنه بات بمقدوري الخروج ورؤية أشياء جديدة والعمل وكسب النقود ومساعدة الآخرين على الكسب أيضاً. إن شاء الله، سنتمكن من مساعدة أولادنا في المستقبل".
وفي مركز لجنة الإنقاذ الدولية بعكَّار، درَّب خبراء سوق الطيب النساء على استخدام معايير الصحة والعرض المهنية لإنتاج أطباقٍ تقليدية ومبتكرة مكوَّنةٍ من السلطات الطازجة والمقبلات والمربيات والمنتجات المفرغة من الهواء وبعمرٍ تخزيني متنوع.
وقال سيريل الخوري المسؤول الأول لمركز تحسين سبل العيش في لجنة الإنقاذ الدولية: "يرتكز هذا التدريب على هؤلاء النساء اللواتي هن بحاجةٍ إلى تطوير مهاراتهن التي يمكن تطبيقها في المنزل كي يتمكن من الاتكال على أنفسهن وخلق فرص عمل".
كما حصلت النساء على تدريبٍ على مهاراتٍ من قبيل التغليف وضبط الجودة والتسويق وتحديد التكلفة، فضلاً عن أفضل سبل التعامل مع المشترين.
وقالت زهرمان: "أعطونا الثقة بالنفس. فقد كنا نقول في الماضي: "لا نملك الشجاعة لنواجه الناس. كلا لا نستطيع. يصعب علينا التكلم مع الناس". أما الآن، فقد أصبح لدينا الشجاعة وبالأخص أنا".
الذهاب الى السوق
شَرَعت النساء الآن في تسويق خطهن باسم العلامة التجارية "أطايب عكار" في سوق الطيب للمزارعين ببيروت. وقد استأجرت منظمة العمل الدولية جناحاً في السوق لعددٍ محدد من الأسابيع للمساعدة في إرساء خط أطايب عكار في السوق.وقالت جيهان شهلا مديرة المشاريع في سوق الطيب: "عندما تعرفنا على الصبايا في عكار، رأينا كم هن متحمسات كي يُنمّوا أنفسهن وهذه المنطقة ويحاولن بطريقةٍ ما ولو قليلة وبسيطة معالجة هذه المشكلة".

نساء يتلقين تدريباً نظرياً على جوانب تسويق الطعام.
وتُعتبر هذه الدورة جزءاً من مشروعٍ لمنظمة العمل الدولية يحمل عنوان "تمكين التكيف الوظيفي وحماية شروط العمل اللائق في المجتمعات الريفية المتضررة من أزمة اللاجئين السوريين في شمال لبنان" ويدعم المجتمعات اللبنانية المضيفة للاجئين في شمالي لبنان.
ويبحث المشروع في الصعوبات التي تواجه المزارعين في المنطقة جراء أزمة اللاجئين السوريين كازدياد حدة المنافسة وارتفاع تكاليف الإنتاج وفقدان الأسواق. كما ينفذ المشروع حلولاً عملية بالاشتراك مع منظماتٍ محلية ووطنية هي وكالة التنمية الاقتصادية المحلية في شمال لبنان ومؤسسة رينيه معوض ومؤسسة الصفدي ومؤسسة المدى وغيرها.
ويعمل المشروع حالياً على تعزيز سلاسل القيمة لقطاعين زراعيين فرعيين هما البطاطا والخضراوات الورقية بدعم التعاونيات الفلاحية وتحسين عمليات الإنتاج وتعزيز الصادرات والسماح بالوصول إلى أسواقٍ دولية جديدة.

متدربون ومدرِّبون يحيطون بفخرٍ ببعض المنتجات الغذائية التي أعدوها.