قصص عن فقدان الوظائف في غزة
فلسطينيون من غزة يروون كيف فقدوا سبل عيشهم بسبب الأضرار الهائلة التي لحقت بالأبنية والسيارات والآلات وغيرها من الأصول الإنتاجية جراء العملية العسكرية الإسرائيلية أثناء الصراع بين إسرائيل وغزة في تموز/يوليو-آب/أغسطس 2014.
فقدان الوظائف في غزة: كيف خسرت عائلةٌ فلسطينية سبل عيشها جراء النزاع
تقيّم دراسةٌ أصدرتها منظمة العمل الدولية بعنوان "أثر نزاع عام 2014 في غزة على فقدان الوظائف" كيف خسر كثيرٌ من الفلسطينيين مصدر قوْتهم بسبب تدمير أماكن العمل والأصول الإنتاجية أثناء النزاع بين إسرائيل وغزة الذي حدث في تموز/يوليو-آب/أغسطس 2014. ويصف الفلسطيني شعبان سكر، وهو أبٌ لسبعة أطفالٍ أصبح عاطلاً عن العمل، كيف فقد وأشقاؤه السبعة مصدر رزقهم عندما دُمر مصنعهم لتحميص المكسرات ومعداته وعددٌ من مركباته جراء القصف الإسرائيلي. كما خسر شعبان وثلاثةٌ من أشقائه منازلهم بسبب القصف.
قصة رائد العِجلة

© صالح جاد الله/منظمة العمل الدولية
وعلى مدى ثلاث سنوات، كان رائد يقود سيارته في الشوارع القديمة للقطاع الضيق لينقل الركاب ويكسب نقوداً بالكاد تكفيه لتدبر أمره. أما الآن، فلم يعد لديه أي وسيلة لكسب قوته. ويقول رائد الذي تضرر منزله أيضاً وبشدة في تلك العملية العسكرية إنه مضطر الآن إلى الاعتماد على مساعداتٍ ومواد غذائية توزعها منظماتٌ دولية لإطعام أطفاله الثلاثة: "كنتُ أكسب 100 شيكل إسرائيلي جديد (قرابة 25 دولاراً) يومياً، ولكني أصبحت الآن غير قادر حتى على شراء الخبز لأطفالي".
يقيم رائد حالياً مع 18 عضواً من أسرته الممتدة في ما تبقى من منزلهم المهدم على بعد نحو ألف متر عن الحدود الإسرائيلية والذي لا يملكون ما يكفي لإصلاحه. ويقول رائد إن تدمير سيارته واحدٌ من أسوء الأشياء التي حدثت له، ولكن لا يزال يحدوه الأمل أن يتمكن قريباً من شراء سيارة أخرى: "سيساعدني شراء سيارةٍ أخرى في التخلص من مأزقي. لا يمكنك أن تتصور كم يكون الأمر صعباً عندما يطلب منك أطفالك شراء وجباتٍ خفيفة وطعام دون أن تملك أي شيء تقدمه لهم. نحن نموت ببطء هنا. وأولئك الذين لقوا حتفهم في العدوان أفضل حالاً منا نحن الذين لا زلنا على قيد الحياة ونكافح كي نبقى كذلك".
قصة عماد سكر

© صالح جاد الله/منظمة العمل الدولية
ويقدِّر عماد الذي يبلغ عمره 33 عاماً خسائره بعد تدمير القصف الإسرائيلي لمتجره بنحو 35 ألف دولار. وهو يقول كانت الأضرار كبيرة جداً جراء القصف لدرجة أنه لم يتمكن من إنقاذ أي بضاعة من متجره المدمر: "لا يمكنني أن أصف كم كان الأمر صعباً بالنسبة لي وأنا أرى ما لحق بمتجري من أضرار. لقد بكيت بالفعل، وتجمع الناس حولي لمواساتي".
كان عماد قد افتتح متجره عام 2004 بعد استحالة عثوره على عملٍ في غزة في مجال علم النفس الذي درسه في الجامعة: "لقد رضيت بدخلي. فقد كنت أكسب 300 شيكل إسرائيلي جديد (زهاء 75 دولاراً) يومياً. أما الآن، فلم أعد قادراً حتى على إعطاء مصروفٍ لأطفالي عندما يذهبون إلى الروضة والمدرسة".
يقول عماد إن الأضرار كبيرة جداً ولا يمكن إصلاحها: "أنا عاطل عن العمل منذ أكثر من 7 أشهر، وليس لدي ما أقوم به سوى قضاء الوقت مع أسرتي". وهو يسعى الآن للحصول على بعض الأموال من منظماتٍ دولية لتغطية التكاليف الطبية لعلاج ابنه المصاب بالشلل الثلاثي: "إن وضعي المالي آخذ بالتدهور يوماً بعد يوم. وقد اضطررت إلى دفع 100 دولار لتغطية تكاليف عمليةٍ جراحية خضع لها ابني مؤخراً".
لا يرى عماد أي أملٍ بالنسبة لسكان غزة في المستقبل القريب ما لم تُبذل جهودٌ دولية لزيادة الدعم المقدم لهم لأن وضع البنى التحتية والاقتصاد كان سيئاً جداً حتى قبل النزاع الأخير: "أنا لا أصدق أن هناك أي أمل. ففي كل مرةٍ نظن فيها أن محنتنا قد خفت، يزداد الأمر سوءاً. والوضع صعبٌ للغاية".
قصة يونس العرير

© صالح جاد الله/منظمة العمل الدولية
كان يونس الذي يبلغ من العمر 63 عاماً يقوم رِفقة جميع أبنائه الستة بلحم المعادن وتصنيع مجارف الجرافات وحاويات الشاحنات في منشأتهم شرقي مدينة غزة.
ويقدر يونس خسائره جراء تدمير ورشته التي كانت في يومٍ من الأيام تُطعم 25 شخصاً من عائلته الممتدة بنحو 150 ألف دولار. وكان قد بنى ورشته عام 2000، ثم زاد مساحتها إلى 750 متراً مربعاً قبل دمارها. وهو يقول: "لقد عملنا جميعاً هنا في هذه الورشة، وكانت أسرتنا تعتمد على الدخل الناتج عنها. وكان لدينا كل ما نريده. أما الآن، فنحن ننتظر الحصص التي توزعها الأمم المتحدة علينا".
خسر يونس أيضاً منزله الذي يبعد قرابة 5 آلاف متر عن ورشته جراء القصف العسكري الإسرائيلي. وهو يعيش مع عددٍ من أعضاء أسرته في شققٍ استأجروها بمساعدةٍ مالية من إحدى وكالات الأمم المتحدة. ويردف يونس: "لا يمكنني بناء ورشتي مجدداً لأنني لا أملك شيئاً. فتكاليف ذلك مرتفعة, وأنا أيضاً بحاجةٍ لشراء آلات ومعدات جديدة، وليس هناك من مواد للبناء".
يتوقع يونس مستقبلاً أسوأ لغزة إنْ لم يتغير الوضع تغيراً جذرياً. وعندما يذهب إلى موقع ورشته المدمَّرة، لا يمكنه منع نفسه من تذكر الأوقات التي قضاها في تلك البقعة التي كان يدير بين جدرانها تجارةً مربحة. وقال يونس وهو يُعِد الشاي على نار الحطب في ملجأه: "أنا لا أحب أن أكون متشائماً، ولكن لا يمكنني الهروب من هذا الواقع. فقد دُفِنت كل آمالي تحت أنقاض ورشتي".
قصة أحمد مهدي

© صالح جاد الله/منظمة العمل الدولية
قبل العدوان، كان المصنع يضم 120 موظفاً. أما الآن فلا يعمل في المصنع، الذي كان قد تضرر أيضاً بسبب عمليةٍ عسكرية إسرائيلية ضد غزة استمرت ثلاثة أسابيع في أواخر عام 2008 ومطلع 2009، إلا 50 عاملاً بحسب أحمد الذي يحدوه الأمل بتوظيف مزيدٍ من العمال في مرحلةٍ لاحقة. وإدارة المصنع مضطرة لإنفاق نحو 18 ألف دولار شهرياً ثمن الوقود اللازم لتشغيل مولدات الكهرباء جراء انقطاع التيار الكهربائي لساعاتٍ طويلة.
ويخشى أحمد من شن عمليةٍ عسكرية أخرى قد تدمر كل ما أعادوا بنائه: "أنا دائم القلق من نشوب حربٍ أخرى. ويحدوني الأمل أن نتمكن من إبرام اتفاقياتٍ اقتصادية تضمن حماية المصانع والقطاع الصناعي".
أصحاب المصنع حريصون جداً على الحفاظ على أعمالهم في السوق، حتى لو عنى ذلك العمل بخسارة. ويضيف أحمد: "إن تشغيل المصنع مجدداً إنجازٌ عظيم بحد ذاته. وقد لعب إصرار مالكيه وعماله دوراً مهماً في وجودنا واستمرارنا. ومن الضروري للغاية المحافظة على اسمنا في السوق وإنْ عملنا بخسارة".
وكان أحمد قد هرع لتفقد المصنع خلال وقفٍ وجيز لإطلاق النار في النزاع الأخير. وهو يتذكر لحظة رؤيته للبقايا المدمَّرة من المصنع قائلاً: "كانت أكثر لحظةٍ صادمة في حياتي. وكنتُ على وشك الانهيار عندما لم أعثر على أي شيء باقٍ من المصنع".

© صالح جاد الله/منظمة العمل الدولية