الدورة 102 لمؤتمر العمل الدولي

المدير العام لمنظمة العمل الدولية: ملاحظات ختامية أمام الدورة 102 لمؤتمر العمل الدولي

بيان | جينيف | ١٠ يوليو, ٢٠١٣

يرجى مطابقة النص المكتوب مع الخطاب


السيد الرئيس، حضرات المندوبين والمراقبين

تتمثل مهمتي، مع اقتراب اختتام المؤتمر، في الرد على الجدل الذي جرى في الاجتماع الموسع بشأن تقريري الذي حمل عنوان الحقائق، والتجدد، والالتزام الثلاثي

ولكن قبل الخوض في ذلك، اسمحوا لي أن أتحدث قليلاً عن عمل مؤتمرنا وعن عملية الإصلاح في منظمة العمل الدولية التي تشكل الخلفية المؤسسية له

بلغ عدد المشاركين في المؤتمر رقماً قياسياً هو 4718 مندوباً، بينهم 156 وزيراً. وقد تلقينا واستمعنا لرسائل ضيوف بارزين مثل باندا رئيسة مالاوي، وفان رومبوي رئيس المجلس الأوروبي، ودلاميني زوما رئيسة مفوضية الاتحاد الإفريقي

لقد أجرت اللجان الفنية للمؤتمر مناقشات هامة وتوصلت إلى استنتاجات قيّمة بشأن قضايا مصيرية هي الوظائف الخضراء والتنمية المستدامة، والتركيبة السكانية والوظائف والحماية الاجتماعية، والحوار الاجتماعي. وجرى ذلك بطريقة بناءة وبالتزام ثلاثي تحدث عنه تقريري

وأنهت لجنتنا الخاصة بتطبيق المعايير عملها بنجاح، وهي خطوة كبيرة نحو الأمام مقارنة بالعام الفائت، لكنها يجب ألا تجعلنا نغفل عن أهمية القيام بمزيد من الخطوات نحو الأمام قبل بلوغ ما نصبو إليه على صعيد معايير عملنا

وأثناء المؤتمر، أكملت منظمة العمل الدولية وميانمار رحلة العمل الطويلة بموجب المادة الثالثة والثلاثين من الدستور. كانت رحلة فريدة في طريق وعر سبب عدم الارتياح أحياناً، بيد أنها أثبتت قدرات المنظمة وأظهرت تماماً ما الذي تستطيع تحقيقه عندما تتوحد خلف قيمها وتستغل الأدوات المتاحة لها استغلالاً كاملاً

وقد اعتمدنا أيضاً برنامجاً وموازنة للعامين القادمين أعتبِرُهما بمثابة تصويت على الثقة بمنظمتنا وعلى الطريق الذي تسير فيه. وأود أن أعرب عن شكري لجميع من دعم البرنامج والموازنة، وعن احترامي للتبريرات التي قدمها من لم يقدموا الدعم

وبذلك يكون أول استنتاج عام خلُصت إليه من تجربة هذه السنة هو أن مؤتمرنا يمثل مؤسسة استثنائية تتمتع بقدرة لا مثيل لها على جمعنا معاً. إنها برلمان عمل ثلاثي عالمي فريد من نوعه يقدم نتائج جيدة، لكنه يحتاج للإصلاح بالتأكيد. فأنا أرى بضرورة اختصاره دون التأثير على وظائفه الهامة، لاسيما في وضع المعايير والإشراف عليها

لذلك دعونا لا نقع في خطأ الانتقاص من أهمية مؤتمرنا لأن ذلك يمثل خطأً في التقدير وفي النوايا. وعوضاً عن ذلك، فلنشرع في مهمة تغييره لجعله أفضل. فرفض هذا التحدي يعني فشلاً في الإرادة وفي الطموح. وسأعود إلى هذه الفكرة فيما بعد

سيدي الرئيس

لقد تحدث العديد منكم، سواء من هذا المنبر أو أثناء المناقشات، عن عملية الإصلاح الجارية في منظمة العمل الدولية. وفيما أثارت هذه النقاشات المتبادلة نقاطاً مختلفة حول قضايا محددة، كانت الرسالة العامة في دعم التغيير طاغية، بل حظيت بالإجماع عملياً. والواقع أن الملاحظات الوحيدة، إن وجدت، كانت تتعلق بضرورة السعي نحو التغيير بطموح غير منقوص وطاقة لا تنضب وعزيمة لا تكل

ورداً على من استطعت التحدث معهم شخصياً، أقول بأنني سعيت لتقديم تقييم نزيه للتقدم المحرز والتحديات المقبلة، لأن كليهما كبير بالفعل. وأود الآن أن أكرر على مسامعكم أني وزملائي تلقينا رسالتكم الجماعية، وأننا نفهم مسؤولياتنا، وسنمضي قدماً كما طلبتم منا

وطبعاً هذا الإصلاح بالطبع لا يجري حباً بالإصلاح فحسب، بل لتحقيق غاية متفق عليها وهي الارتقاء بجودة عمل المنظمة وخدماتها، وجعلها أقرب إليكم، أنتم مكوناتها الثلاثة، وجعل نشاطها مفيداً وملائما ومؤثراً كما تقتضي ظروفنا

وفي هذا الصدد، يهدف تقريري أمام المؤتمر إلى طلب توجيهاتكم بشأن أجندة الموضوعات التي يجب أن تسير بالمنظمة قدماً نحو الذكرى المئوية لتأسيسها مدفوعة بحافز الإصلاح

وأود أن أشكركم على إرشاداتكم القيّمة التي قدمتموها وأيضاً على ملاحظاتكم الإيجابية على التقرير ذاته. وقد سُر كثير منكم بسهولة الحصول عليه، ومنهجيته الملموسة والمباشرة، وإيجازه. ولكني أعترف بذلك لأقول بأن التقرير الذي يتسم بالاقتضاب كإحدى مزاياه الرئيسية هو في الواقع، كما قال أحد المندوبين عن محتوى تقريري، "يطرح من الأسئلة أكثر مما يجيب عنها"

لكن المطلوب من التقرير ومن النقاش القائم بشأنه هو أن يؤدي إلى نتائج. وبالتالي يبقى السؤال المطروح الآن: ما هي هذه النتائج وكيف يمكن تحقيقها؟

وهنا أود أن أذكر بوضوح أن المنظمة عازمة على أداء دورها المناسب والاضطلاع بمسؤولياتها على أكمل وجه لدعم ظروف العمال الفلسطينيين وتحسينها. وسبق أن أعلنت بوضوح التزامنا بهذا الخصوص وحددت مسؤوليات المنظمة حياله. ينبغي أن نكون عمليين. ينبغي أن نكون فعّالين

سيدي الرئيس، حضرات المندوبين

تمثل المبادرات المئوية السبع المقترَحة للمؤتمر في نهاية تقريري محور معظم ملاحظاتكم العامة والتفصيلية. وقد عبّر البعض عن دعمه الكامل لها، فيما لم يقل أحد إنها غير مناسبة من حيث الشكل أو المضمون. وهذا يشير إلى أنكم متفقون على ضرورة البدء بمبادرات واسعة من هذا النوع كي تسير بنا قدماً حتى عام 2019

وبالمناسبة، تمت مناقشة بعض المبادرات أكثر من غيرها. وقد دُهشْت نوعاً ما لأن مبادرة "المرأة في العمل" لم تحظ بالمناقشة كسائر المبادرات الأخرى، على الأقل ليس مباشرة. وأنا أفضل عدم الاستنتاج بأن ذلك ناتج عن كون 65 فقط من المتحدثين الـ 291 عن التقرير هم من النساء (وهذا يمثل بحد ذاته مهمة يجب أن نشتغل عليها)، وآمل أن يكون السبب هو أن التزامكم بقضايا النوع الاجتماعي في العمل راسخ لدرجة أن هذه القضية لم تتطلب كثيراً من المناقشة

ومن ناحية أخرى، حظيت "مبادرة المنشآت" باهتمام كبير بين المتحدثين من جميع الفئات، حيث كان هنالك تقارب قوي بشأن ضرورة قيام المنظمة بإنشاء منبر للمشاركة مع المنشآت بموجب المبادئ الواردة في التقرير. وقد اختلفت الآراء حول كيفية الارتباط، لاسيما مع أصحاب العمل المُصرين على تحديد أسلوب أوضح. علاوة على ذلك، كان هنالك اهتمام واسع النطاق بتحديد وتنفيذ دور للمنظمة في سلاسل العرض العالمية وبدرجة أعم في مجال المسؤولية الاجتماعية للشركات

كما حظيت مبادرة "إنهاء الفقر" بدعم قوي حيث ربط عدد من المتحدثين بينها وبين نشاط المنظمة المستقبلي في مجال الاقتصاد الريفي والعمل غير المنظم، إضافة إلى أجندة التنمية العالمية لما بعد عام 2015، حيث يبدو أننا نتقدم في تحقيق هدفنا في إنشاء مكانة لأهداف العمل اللائق، ولكننا بحاجة ماسة لرص الصفوف لنتمكن من القيام بذلك

وقد وصفتُ في تقريري الدور الذي ستُدعى المنظمة إلى أدائه في الانتقال نحو مسار تنموي مستدام بانبعاثات غازية أقل باعتباره العامل الوحيد الذي من شأنه أن يميز بوضوح نشاط المنظمة في قرنها الثاني عنه في قرنها الأول. ويبدو أنكم توافقون على هذه الفكرة كما أن العمل الفني الذي أنجزه هذا المؤتمر يؤكدها

وبالتالي لا بد من وضع المبادرة الخضراء في صميم ما نقوم به في جميع مجالات أنشطة المنظمة مع أخذ أجندة ما بعد عام 2015 بعين الاعتبار

سيدي الرئيس، حضرات المندوبين

نظراً لظهور بعض الشكوك أثناء النقاشات، يجب أن أوضح بأن المبادرات المقترحة بشأن المعايير والإدارة السديدة ذات طابع مختلف عن بقية المبادرات. فهي تتعلق في المقام الأول بطريقة تنظيم المنظمة لنفسها. وتميل هذه المبادرات نحو الداخل أكثر منها نحو الخارج، لكن ذلك لا يقلل من أهميتها، كما أنها أكثر ارتباطاً بأجندة الإصلاح

وثمة نقطتان أساسيتان ينبغي الإشارة إليهما بخصوص هذه المبادرات. أولهما هو أنها يجب أن تصبح تدخل حيز التنفيذ فوراً. فنحن بالتأكيد لا ننوي الانتظار حتى عام 2019 كي نبدأ بها، بل إنها على العكس من ذلك تمثل في الحقيقة استمراراً لعمليات بدأت بالفعل لكنها بحاجة إلى إعادة التأكيد على ملحاحيتها وإعطائها شكلاً جديداً، وصورة جديدة، والتزاماً سياسياً جديداً. وستساعد المبادرات في ذلك. أما النقطة الثانية فهي أن هذا المؤتمر قد قدم أدلة مباشرة وتعليمات بشأن المهام الحالية

لقد بدأتُ هذه المداخلة بإيمان صادق بأن المؤتمر مؤسسة ذات صفات فريدة يجب عدم التفريط بها. ولكني لا أعتقد بأن كثيراً من الحاضرين هنا في نهاية هذه الملحمة التي استمرت ثلاثة أسابيع تقريباً لا يؤمنون حقاً بأننا قادرون على العمل بشكل أفضل وأكثر كفاءة وبطرق تعزز المؤتمر

وتؤكد تجربة لجنة المعايير في هذا العام أيضاً بأن إعادة تحقيق إجماع تام بشأن وضع نظام موثوق للمعايير والإشراف عليه قد يكون الاختبار الأصعب لالتزامات الشركاء الثلاثة. وقد نجحنا في "تدبر أمورنا" هذا العام، وطبعاً ليس دون صعوبات، لكن هذا الحال لن يستمر في غياب تفاهم جديد بشأن بعض القضايا الأساسية. نحن بحاجة إلى الإصغاء الجيّد، وإلى العمل معاً، كما ينبغي أن نصبح مبدعين وأوفياء لقيم المنظمة وأهدافها كي نجد طريقنا نحو المستقبل. فلنلتزم جميعاً بذلك

وأخيراً، هناك مبادرة "مستقبل العمل". وأنا أعترف لكم بأني شعرت بالشك عند اقتراح هذه المبادرة عليكم. شعرت بأنني ابتعدت بعض الشيء عن الحقائق الفورية الضاغطة، وهو ما يمكن أن يفسر على أنه نوع من التساهل في منظمة ملتزمة التزاماً صارماً بالكفاءة والملاءمة في تلبية احتياجاتكم الحالية. لكن ردود أفعالكم خففت هذه الشكوك، حيث أكدتم على حاجتنا إلى معاينة استشرافية لمكان العمل في حياتنا ومجتمعاتنا. فهي تؤطر خيارات سياساتنا وستكون ملائمة للاحتفاء بمئوية منظمة العمل الدولية

بعد هذا الاستعراض للمبادرات المئوية السبع، يجب أن أقول بأن عدداً من القضايا التي لا تغطيها هذه المبادرات احتل حيزاً كبيراً في مداخلاتكم أمام الاجتماع الموسّع. وينطبق ذلك بصفة خاصة على قضايا الهجرة التي ذكر عدة مندوبين بشأنها تفاصيل كثيرة. وقد أُحطنا علماً بها ولسنا بحاجة لتغيير توجهات المنظمة في هذا المجال. وسيقدم الحوار رفيع المستوى للأمم المتحدة المقبل فرصة هامة لنا للقيام بذلك

سيدي الرئيس، حضرات المندوبين

ما هي الخطوات التالية؟

أقترح متابعة نقاش تقريري بشأن جدول أعمال الدورة القادمة لمجلس الإدارة في شهر تشرين الأول/أكتوبر. وسننظر في أمر كل مبادرة من مبادراتكم بالتفصيل ونستخلص نتائجها الكاملة. وعلى هذا الأساس، يمكننا تقديم سلسلة قرارات تشكل معاً خارطة طريق للمئوية. وسنرى إلى أين تقودنا هذه الخارطة. لكن المؤكد هو أن الإجراءات المطلوبة لكل مبادرة تختلف تبعاً لطابعها وللظروف المحيطة بها

وفي هذا الصدد، علينا أن نعي ضرورة وضع المبادرات في سياق القرارات المتخذة أو التي ستُتخذ بشأن مبادرات المنظمة. وقد وافقنا للتو على برنامج وموازنة عامي 2014-2015 وهما تدبيران سيوصلاننا إلى مئويتنا بل وأبعد منها

وأنا أرى بأنه يمكن أن تفيد المبادرات في تأطير هذين التدبيرين وتوجيههما. وهذا لا يعتبر ازدواجية في مخرجات البرامج وأهدافها، بل سيمد المنظمة بالأدوات اللازمة والتوجه الاستراتيجي. فالعلاقة مع أجندة الإصلاح علاقة تعزيز متبادل. ونحن ملتزمون بأجندة واحدة موحّدة

وبهذه الطريقة، أتمنى أن توافقوا على أن يحقق نقاشنا، أي مداخلاتكم، ويجب أن يحقق النتائج التي سعينا إليها من خلال هذا المؤتمر. ومن الضروري أن يحصل ذلك لأن على المنظمة، كي تصبح مؤثرة في المستقبل، أن تستجيب بدقة وفاعلية وعلى وجه السرعة لما تقوله لها الدول الأعضاء وما تتوقعه منها

سأبذل أنا وزملائي كل ما في وسعنا وبالتزام كلي في العام المقبل لضمان تنفيذ ما ذكرت حتى نلتقي مجدداً السنة القادمة كي نجدد هذا النقاش

شكراً لاهتمامكم