التمكين من خلال الموسيقى: جوقة لبنان لمكافحة عمل الأطفال

انطلق أطفال عاملون سابقون في رحلة موسيقية بقيادة منظمة العمل الدولية ووزارة العمل اللبنانية، حاملين معهم مواهبهم إلى القصر الجمهوري في لبنان لتأدية أول عرض لهم على الإطلاق.

مقالة تحليلية | ٠٥ يونيو, ٢٠١٨
بيروت، لبنان (أخبار م.ع.د) – بات لدى لبنان جوقة جديدة للأطفال، ولكنها جوقة مختلفة من نوعها. فجميع أعضائها كانوا في مرحلة ما من حياتهم منخرطين في عمل الأطفال، وبعضهم في أسوأ أشكاله وأخطرها.

وكانت منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة ووزارة العمل اللبنانية قد تعاونتا في أواخر العام الفائت مع قائد الجوقة المايسترو سليم سحاب لإنشاء الجوقة الوطنية لمكافحة عمل الأطفال بغية تمكين الأطفال ومنحهم صوتاً من خلال الموسيقى. وبعد إجراء تجارب أداء مع أكثر من 1200 طفل في جميع أنحاء البلاد، اختير نحو 180 طفلاً لتشكيل الجوقة.

تُعد الموسيقى أداة قوية لإعادة التأهيل النفسي والاجتماعي للأطفال الذين انخرطوا في عمل الأطفال. وقال عُمر وهو أحد الأطفال الذين قاموا بتجربة أداء في ضاحية الأوزاعي ببيروت بهدف الانضمام إلى الجوقة: "الموسيقى من أساسات حياتي، لأنها تشعرني بأن شيئاً ما خرج من قلبي. عندما أجلس وحدي وأغني، أشعر وكأن كل ما يضيق على قلبي يخرج منه".

ويشاطره الرأي المايسترو سحاب، إذ يقول: "الموسيقى من أقوى ما يسمى بالقوى الناعمة – مع أنني أعتبرها قوة جبارة وليست ناعمة أبداً – لأن لها تأثير انفعالي وعاطفي كبير على نفسية الأطفال".

على النقيض من الاتجاهات العالمية، تفشت ظاهرة عمل الأطفال في لبنان وكذلك في البلدان المجاورة الأخرى، ويعود ذلك في المقام الأول إلى تدفق اللاجئين الذين هم في أشد الحاجة للحصول على دخل. وقد تضررت من هذه الظاهرة المجتمعات المحلية ومجتمعات اللاجئين على حد سواء.

وتضم الجوقة أطفالاً لبنانيين فضلاً عن أطفال لاجئين سوريين وفلسطينيين.

التمكين والمناصرة عبر الموسيقى

تبين الدراسات أنه يمكن لتعليم الموسيقى أن يمكِّن الأطفال ويبني مهاراتهم ويشجعهم كثيراً على الذهاب إلى المدرسة والبقاء فيها.

وسيستخدم الأطفال أيضاً مواهبهم لمناصرة مكافحة مشاكل ظاهرةٍ تؤثر على آلاف الأطفال في شتى بقاع لبنان.

وقال فرانك هاغمان نائب المدير الإقليمي للدول العربية في منظمة العمل الدولية: "لا يتعلق الأمر بالتسلية، بل بتمكين الأطفال من خلال الموسيقى ورد كرامتهم لهم وحثهم على تحسين حياتهم".

تدعم هذا المشروع الذي تقوده منظمة العمل الدولية وزارة الثقافة والمعهد الوطني العالي للموسيقى. والمشروع جزء من جهود ترمي إلى تنفيذ خطة العمل الوطنية اللبنانية للقضاء على أسوأ أشكال عمل الأطفال.

وقال وزير الثقافة غطاس خوري: "أن يدخل هؤلاء الأطفال إلى عالم الموسيقى هو فتح باب لهم لأن يكتشفوا أنه في العالم هناك شيء غير العمل المضني الذي ينتج القليل من المال ويقضي على مستقبل هؤلاء الأطفال".

وذكر رئيسُ المعهد الوطني للموسيقى وليد مسلِّم: "كل إنسان بحاجة أن يُعترف به كإنسان وكقيمة، وعندما تجمعهم في كورال ليغنوا معاً، فإن ذلك يشعر هذا الطفل الذي كان يعتقد بأن لا أحد يكترث به أنه جزء من مجموعة وجزء من مشروع هام جداً وأن هناك من يقدره. وأتصور أن ذلك قد يغير له حياته".

من العمل إلى الفن

سُحب معظم أطفال الجوقة من أشكال العمل الخطرة بفضل جهود وزارة العمل ومنظمة العمل الدولية ومنظمات غير حكومية ومنظمات مجتمع مدني. وقد التحقوا الآن بمراكز دعم تديرها جمعية بيوند وجمعية دار الأمل ورابطة النساء الفلسطينيات.

وقالت ليلى عاصي مديرة وحدة مكافحة عمل الأطفال في جمعية بيوند: "هؤلاء هم أطفال كانوا يعملون أو ما زالوا يعملون وموجودون الآن في المركز. من خلال الكورال، نحاول قدر المستطاع أن نوصل صوتهم إلى أبعد مكان ليستطيعوا مناصرة هذه القضية".

تَدرَّب الأطفال بجد تحت إشراف المايسترو سحاب في مدرج الجامعة اللبنانية الدولية ببيروت وفي مواقع مختلفة في جميع أرجاء لبنان.

العرض الأول

تلقت الجوقة دعوة من مكتب الرئيس اللبناني ميشال عون تطلب منها أداء أول عرض عام لها في القصر الجمهوري بدعم من الأوركسترا الوطنية الفيلهارمونية احتفاءً باليوم الوطني للطفل في 20 آذار/مارس.

ومن بين الأطفال الـ 60 من الجوقة الذين اختيروا لتأدية العرض في القصر سماح المحمود، وهي طفلة تبلغ من العمر 13 عاماً عملت في السابق في عدد من الوظائف الزراعية والصناعية. وقد سُحبت الآن من عمل الأطفال، وهي تحضر المدرسة بدوام جزئي، كما تحضر إلى مركز لإعادة التأهيل تديره جمعية بيوند في وادي البقاع.

وقالت سماح أثناء استراحتها من البروفات: "لما كنتُ في البيت، كنت أغني وأحضر برنامج "ذا فويس" وأتمنى أن أكون مكانهم. الآن حققت حلمي لأنني سأقدم عرضاً أمام جمهور كبير، ولن أشعر بالخجل".

حضر أول عرض للجوقة في القصر الجمهوري ببعبدا في ضواحي العاصمة بيروت الرئيس اللبناني ميشال عون، ووزراء حكوميون، ونواب، ودبلوماسيون دوليون، وممثلون عن وكالات الأمم المتحدة، وأعضاء في منظمات المجتمع المدني.
وقال عون للحضور عقب العرض: "أطفال اليوم هم رجال الغد وسيداته. وهم إن كانوا بحاجة إلى حمايتنا ودعمنا اليوم، فنحن ووطننا ومجتمعنا سنكون بحاجة إلى حمايتهم ودعمهم غداً".

وقال وزير العمل محمد كبارة: "إن الدولة الراعية لمصالح أبنائها مسؤولة عن حماية الأطفال كجزء من مسؤولياتها تجاه رعاياها. إن القضاء على عمل الأطفال هو مسؤولية وطنية".

عمل الأطفال في أرقام

تشير تقديرات منظمة العمل الدولية إلى أنه بين عامي 2000 و2016 تراجع عدد الأطفال العاملين في العالم بمقدار 94 مليون طفل. وقد بلغ عدد الأطفال العاملين في عام 2016 زهاء 152 مليون صبي وفتاة، وهو ما يمثل نحو عشر أطفال العالم. ويعمل نصفهم تقريباً في أعمال خطرة تعرِّض صحتهم وسلامتهم ونموهم الأخلاقي لخطر مباشر.

وفي منطقة الدول العربية (الخليج والشرق الأوسط باستثناء مصر وشمال أفريقيا)، ينخرط زهاء 3 في المائة من جميع الأطفال في عمل الأطفال. ونحو نصف هؤلاء الأطفال يعملون في أعمال خطرة. وهذا التقديران هما الأدنى في العالم مقارنة بالمناطق الأخرى.

ومع ذلك، شهدت الحروب التي طال أمدها وما يتصل بها من أزمات إنسانية ونزوح جماعي ارتفاعاً حاداً في عدد الأطفال العاملين في عدة بلدان من المنطقة في السنوات الأخيرة.

وبأرقام مطلقة، هنالك 1.2 مليون طفل عامل في الدول العربية، يعمل منهم 616 ألفاً في أعمال خطرة. ويعمل في الزراعة 60 في المائة من إجمالي الأطفال العاملين في المنطقة، فيما يعمل 27 في المائة في قطاع الخدمات و13 في المائة في الصناعة.