العمال الأجانب

الاقتراب من العدالة: رحلة العمال المنزليين المهاجرين في لبنان

عاملة منزلية مهاجرة في لبنان تقرر تحدي نظام الكفالة وتهرب من صاحب عملها لتشكيه أمام القضاء اللبناني. وبعد سبع سنوات، كوفئت بتحقيق قدر من العدالة، وهو إنجاز كان يبدو مستحيلاً قبل مجرد عقد من الزمان.

مقالة | ١٨ أغسطس, ٢٠١٤
خادمة منزل من سريلانكا
تعمل في لبنان
بيروت (أخبار م.ع.د) – لم تشأ جنيفر، التي فضلت عدم ذكر لقبها حمايةً لها، تجديد عقد عملها كعاملة منزلية مهاجرة في لبنان بعد أن شهدت بشكل مباشر الحرب الإسرائيلية عليه في تموز/يوليو 2006.

وقالت إنها لم تعد تشعر بالأمان في لبنان، إضافة إلى أن العائلة التي عملت لديها كان تدفع لها 150 دولاراً شهرياً فقط عوضاً عن مبلغ الـ 200 دولار الذي كان مكتب العمل في الفلبين قد وعدها به. كما احتفظت العائلة بقسم كبير من أجورها بعد أن اتفقت معها على دفع كامل المبلغ لها لدى نهاية عقدها الذي يمتد لعامين.

هذا حال كثير من العمال المنزليين المهاجرين في لبنان والمنطقة، حيث نادراً ما تتطابق شروط الاستخدام والعمل والمعيشة التي يوعدون بها قبل استقدامهم مع الواقع المعاش في البلد المضيف. وتشير تقديرات منظمة العمل الدولية إلى وجود 600000 ضحية من ضحايا العمل الجبري في الشرق الأوسط.

وتقول جنيفر: "كل ما أردته هو العودة إلى بلدي". وقرَّرت أن تعود إلى الفلبين حالما ينتهي عقدها في العام التالي. لكن عندما علمت العائلة بعدم رغبتها في تجديد عقدها، رفضت ذلك بإصرار.

إن الغالبية العظمى من العمال المنزليين المهاجرين في الشرق الأوسط تخضع لـنظام الكفالة الذي يربطهم بأصحاب عملهم ويحد من قدرتهم على التنقل بحرية، وإنهاء عقد عملهم، وتغيير أصحاب عملهم.

وقالت جنيفر: "أخبرتهم بأني سأبلغ السفارة الفلبينية بالأمر إن هم رفضوا". ولكنهم مع ذلك احتفظوا بجواز سفرها جرياً على العادة الشائعة في الشرق الأوسط حيث يأخذ الكفيل كافة وثائق التعريف الخاصة بالعامل حال وصوله إلى البلد المضيف.

وقالت جنيفر في محادثة هاتفية مع منظمة العمل الدولية من مسقط رأسها فينتار في شمال غرب الفلبين حيث تعمل الآن معلمة: "تركت المنزل على أي حال. وسألت عاملة منزلية أخرى عن مكان السفارة. وبعد أن أرشدتني، مشيت مسافة طويلة إلى أن وصلت إليها".

بقيت جنيفر في رعاية السفارة مدة أسبوعين إلى أن جرى ترتيب إجراءات عودتها إلى بلدها. لقد أُرغمَت على المغادرة بعد أن أمضت شهوراً عديدة من العمل الشاق في لبنان دون الحصول على مستحقاتها غير المدفوعة. وعلى الرغم من نهاية محنة جنيفر كعاملة منزلية مهاجرة في لبنان، وجدت نفسها أمام بداية رحلة طويلة نحو تحقيق العدالة عبر النظام القضائي اللبناني.

تقرير جديد 

يحلل تقرير جديد صدر في حزيران/يونيو عن منظمة العمل الدولية ورابطة كاريتاس، أكبر مزود للخدمات للعمال المهاجرين في لبنان، العقبات الرئيسية التي تواجه المهاجرين في مسيرتهم نحو تحقيق العدالة. وقد وجد هذا التقرير الذي يحمل عنوان "تحقيق العدالة للعمال المنزليين المهاجرين في لبنان" أن تحقيق العدالة لنحو 200000 عامل منزلي مهاجر في لبنان أبعد ما يكون عن الواقع.

ويقول ألكس نصري الباحث لدى منظمة العمل الدولية وأحد واضعي التقرير : "يحق للعامل المنزلي المهاجر بموجب القانون اللبناني تقديم شكوى أمام القاضي أو الشرطة، والحصول على محاكمة عادلة كأي مواطن لبناني آخر. غير أن عدداً قليلاً جداً من الحالات على أرض الواقع تُحل من خلال النظام القضائي، ويحاول هذا التقرير معرفة سبب ذلك".

ويوضح التقرير بأن الطريق نحو تحقيق العدالة للعمال المهاجرين من أمثال جنيفر طويل ومعقد ومحفوف بعقبات عدة، بدءاً من إقصاء هؤلاء العمال من حماية قانون العمل في لبنان، ومروراً بصعوبة إقامة الدليل على سوء معاملتهم وتهميشهم من جانب مختلف الأطراف المعنية ومنها القضاء، وانتهاءً بجهل العمال المهاجرين أنفسهم بالإجراءات القانونية.

ومع ذلك، تقول رابطة كاريتاس إن تقدماً كبيراً قد أُحرز في العقد الماضي، وبات وصول العامل المهاجر إلى القضاء وحصوله على محاكمة عادلة في البلاد أسهل الآن.

حاولت جنيفر قبل مغادرتها لبنان الحصول على مساعدة من أنطون هاشم المحامي المتطوع في كاريتاس، مُعربة عن رجائها في استعادة أجورها المستحقة من صاحب عملها.

وكانت أول مرة تُصدر فيها محكمة لبنانية حكماً لصالح عاملة منزلية مهاجرة في عام 2005. فقد أمر القاضي آنذاك بدفع مبلغ 500000 ليرة لبنانية (نحو 330 دولاراً) إلى العاملة التي مثلتها كاريتاس بعد تعرضها للإساءة والاستغلال من جانب صاحب عملها في وادي البقاع في جنوب شرق لبنان.

ومنذ ذلك الحين، شَرَعَ عدة عمال منزليين في لبنان في رفع قضاياهم إلى المحكمة. ورغم أن متابعة هذه القضايا عبر المحاكم عملية بطيئة وصعبة، حقق سعيهم نحو العدالة بعض النتائج، إضافة إلى أن هذه الأحكام التاريخية بدأت تؤثر على المجتمع وتغير تدريجياً نظرة كثير من اللبنانيين إزاء العمال المنزليين المهاجرين وحقوقهم. ويمكن أن يصل مقدار التعويض جراء سوء المعاملة والعمل الجبري في الوقت الحاضر إلى 20000 دولار.

وبعد سبع سنوات من آخر حديث أجراه المحامي أنطون هاشم مع جنيفر في سفارة الفلبين ببيروت، حمل هذا الشهر أخيراً بعض الأنباء الطيبة لها. فقد تمكنت رابطة كاريتاس من الحصول على حكم لصالحها، وحوّل صاحب عملها المبالغ الذي بحوزته لها.

وترى منظمة العمل الدولية أن هذه الأحكام التاريخية تظهر أن لبنان يسير على الطريق الصحيح نحو تحقيق العدالة لعمال المنازل المهاجرين، وأن بالإمكان تعزيز هذه المسيرة إذا اعترف لبنان بهؤلاء المهاجرين كعمال بموجب قانون العمل واتخذ إجراءات عاجلة تحسن الآليات القانونية والمؤسسية لتحقيق العدالة.