سياسات الإستخدام في الدول العربية

©م.ع.د.
لا تزال فرص العمل وظروف سوق العمل تشكل تحدياً في المنطقة العربية، حتى في البلدان ذات النمو الاقتصادي المطرد. ومما يفاقم مشكلة إيجاد عمل لائق في المنطقة، ولا سيما للنساء والشباب، الصراعات المسلحة المستمرة، والقلاقل السياسية، ونزوح السكان، وموجات الهجرة. ونتيجة لذلك، ازدادت البطالة وأوجه عدم المساواة والإقصاء والضعف، ما استدعى الحاجة إلى إعادة التفكير فوراً في نموذج الاستخدام الحالي الذي تتبعه الاقتصادات العربية.

وأزمة اللاجئين السوريين الحالية، على وجه الخصوص، تمثل إحدى أكبر الأزمات الإنسانية في العصر الحديث. فمنذ عام 2011، لجأ ملايين السوريين إلى البلدان المجاورة. وبات لبنان والأردن يستضيفان أكبر عدد من اللاجئين المسجلين في العالم، وهما يواجهان تحديات متزايدة في سوق العمل، ما يفاقم مشاكل فرص العمل الصعبة التي كانت قائمة بالفعل حتى قبل اندلاع الأزمة.

والواقع أن خلْق فرص العمل على مدى العقود الماضية كان متركزاً إما في القطاع العام أو في وظائف متدنية الإنتاجية والمهارات وغير منظمة في القطاع الخاص، وهي غالباً غير جذابة للشباب الذي ازداد مستواه التعليمي. وفيما أحرز نموذج النمو والتنمية الذي تقوده الحكومة نجاحاً لفترة من الوقت في خلق فرص عمل، تبيَّن أن هذا النموذج غير قابل للاستدامة بفعل الطلب المتزايد على الوظائف ومحدودية الموارد العامة. ولذلك، يلزم اتباع طريقة أفضل إزاء التحول الهيكلي دعماً لتنمية القطاع الخاص كي يغدو منتجاً وأكثر حيوية وشديد التنوع.

ولمعالجة التحديات الحالية والمستقبلية التي تواجه فرص العمل وسوق العمل في الدول العربية، ينبغي إعداد سياسات استخدام وطنية استشرافية تشكل أدوات قوية لوضع الخطط والتنسيق ورصد إيجاد فرص العمل ضمن أطر السياسات الوطنية. وتعمل سياسات الاستخدام الوطنية على جانبي الطلب والعرض في سوق العمل، ويجب إعدادها عبر عمليات تشاورية ثلاثية تشمل الوزارات والإدارات الحكومية المعنية، ومنظمات أصحاب العمل والعمال.

تتضمن قضايا وتحديات فرص العمل وسوق العمل في المنطقة ما يلي:
  • ضعف إطار السياسات وعدم فاعلية مؤسسات سوق العمل.
  • عدم كفاية الطلب على اليد العاملة.
  • استمرار الفوارق بين الجنسين وعدم تكافؤ فرص المرأة في سوق العمل.
  • ارتفاع معدلات البطالة ومحدودية فرص العمل المتاحة للشباب.
  • انعدام التطابق بين المهارات ووجود استثمارات كبيرة في التعليم دون أي أثر يُذكر على فرص العمل.
  • ارتفاع مستوى الهشاشة ما يزيد الضعف وعدد العمال الفقراء والاقتصاد غير المنظم.
  • تضخم القطاع العام وضعف القطاع الخاص (تركز فرص العمل في وظائف متدنية القيمة المضافة ومنخفضة الإنتاجية).
  • نقص البيانات والمعلومات عن سوق العمل لإثراء السياسات.

خطة منظمة العمل الدولية في الدول العربية

تعزيزاً لفرص العمل وبغية التصدي لأوجه العجز في العمل اللائق بالمنطقة، تعمل منظمة العمل الدولية مع الهيئات الثلاثية المكونة لها في الدول العربية على تقديم الدعم لصياغة وتنفيذ سياسات ذات صلة في سبيل تحقيق نتائج أفضل في مجال فرص العمل. ويسترشد هذا العمل باتفاقيات المنظمة وتوصياتها ذات الصلة، ومنها اتفاقية سياسة العمالة رقم 122 لعام 1964 والتوصية المرتبطة بها. كما أن الجهود التي تبذلها المنظمة في المنطقة تتماشى مع أجندتها للعمل اللائق التي تدعو إلى تعزيز فرص العمل، والحماية الاجتماعية، والحوار الاجتماعي، والحقوق في العمل. ويسهم دعم المنظمة لتعزيز فرص العمل في تحقيق الهدف 8 من أهداف التنمية المستدامة: "تعزيز النمو الاقتصادي المطرد والشامل للجميع والمستدام، والعمالة الكاملة والمنتجة، وتوفير العمل اللائق للجميع" الذي عادة ما يُدرَج إما في إطار البرنامج الوطني للعمل اللائق، أو برنامج التعاون الإنمائي القائم بذاته والمتفق عليه والموقع بين المنظمة والبلد المعني بالموضوع. ويمكن للمنظمة أيضاً تقديم خدمات استشارية محددة وأنشطة لبناء القدرات استناداً إلى تقييم الاحتياجات أو وفق طلبات محددة من الدول الأعضاء.

وعلى وجه الخصوص، يشمل الدعم الذي تقدمه المنظمة للنهوض بالعمل اللائق في الدول العربية ما يلي:
  • تقديم خدمات استشارية ودعم فني وبناء القدرات من أجل صياغة وتنفيذ ومراجعة سياسات الاستخدام الوطنية وخطط العمل.
  • تقديم دعم فني لتقييم أداء السياسات واقتراح إجراءات تصحيحية وخيارات للسياسات استناداً إلى معايير العمل الدولية وأفضل الممارسات.
  • إجراء بحوث وتحليلات عن فرص العمل، ومنها عن التحول الهيكلي، والأجور، والمساواة بين الجنسين، واستخدام الشباب، ومستقبل العمل.
  • تطوير أنظمة معلومات سوق العمل وجمع ونشر بيانات أولية عن قضايا سوق العمل، ومنها الاقتصاد غير المنظم والضعف.
  • حماية حقوق أضعف الفئات، ومنها اللاجئون والنازحون، ودعم الانتقال من الاقتصاد غير المنظم إلى الاقتصاد المنظم.
  • استراتيجيات تركز على التنمية وتستند إلى فرص العمل لدعم اللاجئين والمجتمعات المضيفة لهم في الأردن ولبنان في خضم أزمة اللاجئين السوريين التي طال أمدها.
  • ممارسة الدعوة وعقد شراكات مع وكالات الأمم المتحدة الأخرى لتوسيع نطاق المعرفة بشأن وضع فرص العمل في المنطقة وتعزيزها وزيادة الجهود الجماعية لتحسين نتائج سوق العمل.
بالنسبة لإعداد سياسات الاستخدام الوطنية، تشمل المشاريع الاستشارية الفنية التي ينفذها المكتب الإقليمي للدول العربية في منظمة العمل الدولية ما يلي:
  • دعم الأرض الفلسطينية المحتلة في وضع خطة عمل وطنية بشأن الاستخدام.
  • تقديم خدمات استشارية فنية لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية في المملكة العربية السعودية بغية إعداد استراتيجية سوق العمل السعودية.
  • دعم العراق في إجراء مسح وطني للقوى العاملة بهدف توفير البيانات والمعلومات اللازمة لوضع سياسة استخدام وطنية حديثة.